المكتبة الرقمية للجان الوطنية العربية للألكسو

كتب >> انهيار جليدي قادم

انهيار جليدي قادم

انهيار جليدي قادم

جاء تقرير "انهيار جليدي قادم: التعليم العالي والثورة المقبلة"، الصادر عن معهد أبحاث السياسات العامة في بريطانيا العظمى في شهر مارس 2013، بقلم ثلاثة من أبرز الخبراء الدوليين في مجال التربية والتعليم، وهم: مايكل باربر Michael Barber وكيتلين دونيلّي Katelyn Donnelly وسعد رضوي Saad Rizvi. وهو يسلّط الضوء على التحدّيات الجسيمة والتطوّرات العميقة التي سوف يشهدها التعليم العالي في السنوات القليلة القادمة من حيث أهدافه وهياكله وأساليب النفاذ إليه، في المجتمعات المتقدّمة صناعيا والمجتمعات النامية على حدّ سواء، وذلك بسبب الضغوط غير المسبوقة والمتزايدة التي تفرضها التقانات الحديثة والعولمة.

وفي هذا الإطار، يتساءل مؤلّفو التقرير عمّا إذا كان أنموذج الجامعة التقليدية الذي ساد القرن الماضي وحتى مطلع القرن الحالي سوف يكون قادراً على الاستمرار في إعداد الطلاب للحياة العملية إعدادا جيّدا، وعن مدى محافظته على مردود ماليّ كاف لضمان استمرارية هذه الجامعة. ويشير التقرير إلى ثلاثة تحديات رئيسية بالنسبة إلى الجامعات التقليدية، تتمثّل فيما يلي:

  1. ضمان التعليم من أجل التشغيلية، وذلك يعني أن الارتفاع المطّرد في تكلفة التعليم العالي، سيدفع الطلاب في المستقبل إلى تغليب البحث عن التعليم والتكوين الذي يضمن لهم الحصول على شغل، على سواه.

2.  كسر الارتباط بين التكلفة والجودة، من مزايا التقانات الجديدة أنها أداة ديمقراطية، باعتبار أنها تمكّن كل طالب من النفاذ إلى المعرفة الجيّدة بسهولة عبر الشبكات الإلكترونية وبتكلفة زهيدة نسبيا مقارنة بالتكلفة التي تستلزمها الدراسة بالجامعة. ومن أبرز هذه الشبكات وأكثرها انتشارا تلك التي تتيح ما يسمّى بالمساقات المكثّفة المفتوحة عبر الإنترنت أو 'MOOC'، وهي مساقات مجّانية، متاحة ومفتوحة لجماهير عالمية، وتستجيب لاحتياجات الطلاب في كافة المجالات المعرفية.

3. تغيير البيئات التعليمية، أصبح الجمع بين الدراسة والعمل، في السنوات الماضية، أنموذجاً جذّاباً للعديد من الطلاب لكونه يساعدهم على الحدّ من تراكم الديون وعلى اكتساب المهارات التي ستمكّنهم بعد التخرّج من اكتساب الدخل الذي يتماشى مع كفاءاتهم. وهذا يعني أن أنموذج التعليم والتكوين القائم على مزاولة مساقات بدوام كامل لمدّة ثلاث أو أربع سنوات للحصول على شهادة جامعية قد بدأ يفقد جاذبيته، وأن المجال أصبح ينفتح أكثر فأكثر لبروز أنماط جديدة تتفاعل مع احتياجات الاقتصاد الحديث والتقدم التقني.

في ضوء هذه التطوّرات، يرى مؤلفو التقرير أنه سوف يكون هناك خمسة نماذج مختلفة للتعليم العالي في المستقبل، هي:

النموذج الأول، ويتمثّل في جامعة النخبة، وهي الجامعة التقليدية العريقة التي توفّر تعليما نظريا إلى حد كبير.

النموذج الثاني، ويتمثّل في جامعة الجماهير التي تعتمد في عملها على مقاربات إلكترونية بحتة، أو مقاربات تمزج بين الأساليب الإلكترونية والتقليدية وتقدّم خدمات لعدد كبير من الطلاب في وقت واحد. ومن شأن هذا النموذج أن يسمح للطلاب ببناء تعلّمهم وتنظيمه حسب احتياجاتهم وأوضاعهم الشخصية خلال مدّة زمنية مرنة، وبتطوير المهارات التي يتطلّبها العمل، مستفيدين في ذلك مما يتوفّر من خبرة وتوجيه في مجال الأعمال والمجال الأكاديمي التقليديين.

أمّا النموذج الثالث، فيتمثّل في الجامعة المتخصصة [جامعة المحراب] التي تسعى إلى تقديم تعليم حصريّ وشخصيّ، وتعمل في مجالات معرفية محدّدة لفائدة فئات معيّنة من الطلاب.

ويتمثّل النموذج الرابع في الجامعة المحلّية التي يتم التركيز فيها على نظام تدريب مهني متميز يلبّي احتياجات الاقتصاديات المحلية، ويمكن أن تستفيد هذه الجامعة من تجربة المعاهد العليا للعلوم والفنون التطبيقية والحرف التي سادت في النصف الثاني من القرن العشرين قبل أن تتحوّل إلى جامعات في التسعينات منه.

ويتمثّل النموذج الخامس والأخير فيما سمّاه التقرير "آلية التعلم مدى الحياة" وهو نموذج يتّسم بمرونة عالية ويخضع لمبادرات المتعلمين أنفسهم للحصول على تعليم يلبّي احتياجاتهم الخاصة، وذلك من خلال الانخراط إلكترونيًا في مجموعة من الوحدات التعليمية في مؤسسات أكاديمية مختلفة، محلّية كانت أو عالمية، للحصول على شهادة جامعية، دون أن يحضروا بشكل رسميّ أيّ جامعة في أي وقت من الأوقات.

إن التحدّيات والتغييرات التي تناولها التقرير تخصّ الجامعات التقليدية في الدول الغربية بالأساس، إلا أنها ترسم طريقا شبه حتمية سوف تضطرّ الجامعات في الدول النامية، وفي الدول العربية أيضا، عاجلا أم آجلا، إلى أخذها في الاعتبار، وذلك لعدّة أسباب لعلّ أهمّها:

- التعاون الوثيق والمتزايد بين هذه الجامعات والجامعات الغربية التقليدية في مجالات عديدة مثل المناهج الدراسية والخبرات والاستخدامات التقنية، وما يترتّب على هذا التعاون من تقارب وملاءمة في التوجّهات والممارسات.

- الضغوط المتزايدة التي تفرضها أنظمة التقييم الدولية ومعايير الجودة التي تعتمدها في ترتيب الجامعات عالميا، وما ينجم عن هذا الترتيب من شهرة للجامعات المتفوّقة ومن استقطاب للكفاءات الأكاديمية وللطلاب الراغبين في الحصول على شهادات تفتح لهم أبواب الشغل في أكبر وأهم الشركات الدولية.

إن التحاليل والتصوّرات التي يطرحها "انهيار جليدي قادم" تشكّل مادة دسمة يمكن لكل الأطراف المعنية بالتعليم العالي في بلداننا العربية أن تنظر فيها وتدرسها، بما يمكّن من تحديد الجوانب الإيجابية لهذا (الانهيار الجليدي) التي يمكن الاستفادة منها في ضوء خصوصيات جامعاتنا والتخفيف من أثر انعكاساته السلبية التي يصعب مقاومتها والتصدّي إليها.

 

والله ولي التوفيق،،،

الأستاذ الدكتور أبوالقاسم حسن البدري

مدير إدارة العلوم والبحث العلمي


إدارة العلوم والبحث العلمي

الجهة المشرفة: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم >> إدارة العلوم والبحث العلمي

شهر وسنة الإصدار: 2013-03